فصل: كتاب الضمان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الضمان

هو صحيح بالاجماع وفيه بابان‏.‏

 الباب الأول في أركانه

وهي خمسة الأول المضمون عنه ولا يشترط رضاه بالاتفاق لأن قضاء دينه بغير إذنه جائز فضمانه أولى وكما يصح الضمان عن الميت اتفاقاً سواء خلف وفاء أم لا ولا يشترط معرفة المضمون عنه على الأصح‏.‏

الركن الثاني‏:‏ المضمون له ويشترط معرفته على الأصح وعلى هذا لا يشترط رضاه على الأصح وقول الأكثرين فان شرطناه لم يشترط قبوله لفظا على الأصح فإن شرطناه فليكن بينه وبين الضمان ما بين الإيجاب والقبول في سائر العقود وإن لم نشترطه جاز أن يتقدم الرضى على الضمان فإن تأخر عنه فهو إجارة إن جوزنا وقف العقود قاله الإمام وفرع على قولنا لا يشترط رضاه فقال إذا ضمن بغير رضاه نظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه فالمضمون له بالخيار إن شاء طالب الضامن وإن شاء تركه وإن ضمن بإذنه فحيث قلنا يرجع الضامن على المضمون عنه يجبر المضمون له على قبوله لأن ما يؤديه في حكم ملك المضمون عنه وإن قلنا لا يرجع فهو كما لو قال لغيره أد ديني ولم يشترط الرجوع وقلنا لا يرجع وهل لمستحق الدين والحالة هذه أن يمتنع من القبول وجهان بناء على أن المؤدى يقع فداء أم موهوباً لمن عليه الدين إن قلنا بالثاني لم يكن له الامتناع وهو الأشهر فحصل في معرفة المضمون عنه وله أوجه أصحها يشترط معرفة المضمون له فقط والثاني يشترط معرفتهما والثالث لا ورابع حكاه الإمام يشترط معرفة المضمون عنه فقط وهو غريب ضعيف‏.‏

قلت‏:‏ وإذا شرطنا قبول المضمون له فللضامن الرجوع عن الضمان قبل قبوله قاله في الحاوي لأنه لم يتم الضمان فأشبه البيع والله أعلم‏.‏

أما صحة العبارة فيخرج عنه الصغير والمجنون والمبرسم الذي يهذي فلا يصح ضمانهم ولو ضمن إنسان ثم قال كنت صبياً يوم الضمان وكان محتملاً قبل قوله مع يمينه وكذا لو قال كنت مجنوناً وقد عرف له جنون سابق أو أقام به بينة وإلا فالقول قول المضمون له مع يمينه وفي ضمان السكران الخلاف المذكور في تصرفاته‏.‏

قلت‏:‏ هذا في السكران بمعصية فأما السكران بمباح فكالمجنون والله أعلم‏.‏

وأما الأخرس فإن لم يكن له إشارة مفهومة ولا كتابة لم نعرف أنه ضمن حتى نصحح أو نبطل وإن كانت له إشارة مفهومة صح ضمانه بها كبيعه وسائر تصرفاته وفي وجه لا يصح ضمانه إذ لا ضرورة إليه بخلاف سائر التصرفات ولو ضمن بالكتابة فوجهان سواء أحسن الاشارة أم لا أصحهما الصحة وذلك عند القرينة المشعرة ويجري الوجهان في الناطق وفي سائر التصرفات‏.‏

وأما أهلية التبرع فلا يصح ضمان المحجور عليه لسفه وإن أذن الولي لأنه تبرع وتبرعه لا يصح بإذن الولي كذا قال الإمام والغزالي إن الضمان تبرع وإنما يظهر هذا حيث لا رجوع وأما حيث ثبت الرجوع فهو قرض محض ويدل عليه نص الشافعي رضي الله عنه أنه لو ضمن في مرض موته بغير إذن المضمون عنه حسب من ثلثه وإن ضمن باذنه فمن رأس المال لأن للورثة الرجوع على الأصيل وهو وإن لم يكن تبرعاً فلا يصح من السفيه كالبيع وسائر التصرفات المالية قلت‏:‏ الذي قاله الإمام هو الصواب وقد صرح الأصحاب بأنه لا يصح ضمانه من غير فرق بين الإذن وعدمه وقول الرافعي إنه ليس تبرعاً فاسد فإنه لو سلم أنه كالقرض كان القرض تبرعاً وقوله إذا أذن الولي كان كالبيع يعني فيجري فيه الوجهان فاسد أيضاً فان البيع إنما صح على وجه لأنه لا يأذن إلا فيما فيه ربح أو مصلحة والضمان غرر كله بلا مصلحة وأما ضمان المريض فقال صاحب الحاوي هو معتبر من الثلث لأنه تبرع فإن كان عليه دين مستغرق فالضمان باطل وإن خرج بعضه من الثلث صح فيه فلو ضمن في مرضه ثم أقر بدين مستغرق قدم الدين ولا يؤثر تأخر الإقرار به والله أعلم‏.‏

وأما المحجور عليه لفلس فضمانه كشرائه‏.‏

فرع ضمان المرأة صحيح مزوجة كانت أو غيرها ولا حاجة إلى إذن كسائر تصرفاتها‏.‏

فرع في ضمان العبد بغير إذن سيده مأذوناً كان أو غيره وجهان أحدهما صحيح يتبع به إذا عتق إذ لا ضرر على سيده كما لو أقر باتلاف مال وكذبه السيد وأصحهما لا يصح وإن ضمن بإذن سيده صح ثم إن قال اقضه مما تكسبه أو قال للمأذون اقضه مما في يدك قضى منه وإن عين مالا وأمر بالقضاء منه فكمثل وإن اقتصر على الإذن في الضمان فإن لم يكن مأذوناً ففيه أوجه أصحها يتعلق بما يكسبه بعد الإذن كالمهر والثاني يكون في ذمته إلى أن يعتق لأنه أذن في الالتزام دون الأداء والثالث يتعلق برقبته وإن كان مأذوناً له في التجارة فهل يتعلق بذمته أم بما يكسبه بعد أم به وبما في يده من الربح الحاصل أم بهما وبرأس المال فيه أوجه أصحها آخرها‏.‏

وحيث قلنا يؤدي مما في يده فلو كان عليه ديون ففيه أوجه عن ابن سريج أحدها يشارك المضمون له الغرماء كسائر الديون والثاني لا يتعلق الضمان بما في يده أصلا لأنه كالمرهون بحقوق الغرماء والثالث يتعلق بما فضل عن حقوقهم رعاية للجانبين قلت أصحها الثالث والله أعلم‏.‏

وهذا إذا لم يحجر القاضي عليه فإن حجر باستدعاء الغرماء لم يتعلق الضمان بما في يده قطعاً وأم الولد والمدبر كالقن في الضمان وكذا من بعضه حر إن لم يكن بينه وبين سيده مهاياة أو كانت وضمن في نوبة السيد فإن ضمن في نوبته صح قطعاً ويجوز إن ضمن في نوبته أن يخرج على الخلاف في المؤن والإكساب النادرة هل تدخل في المهاياة والمكاتب بلا إذن كالقن وبالأذن قالوا هو على القولين في تبرعاته‏.‏

ضمن عبد بإذن سيده وأدى في حال رقه فحق الرجوع لسيده وإن أدى بعد عتقه فالرجوع للعبد على الأصح ولو ضمن العبد لسيده عن أجنبي لم يصح لأنه يؤدي من كسبه وهو لسيده ولو ضمن لأجنبي عن سيده فإن لم يأذن السيد فهو كما لو ضمن عن أجنبي وإن أذن صح ثم إن أدى قبل عتقه فلا رجوع وبعده وجهان بناء على ما لو أجره ثم أعتقه في المدة هل يرجع بأجرة المثل لما بقي‏.‏

قلت‏:‏ لو ثبت على عبد دين بالمعاملة فضمنه سيده صح كالأجنبي ولو ضمن السيد لعبده ديناً على أجنبي فإن لم يكن على العبد دين من التجارة فالضمان باطل وإلا فوجهان قاله في الحاوي والله أعلم‏.‏

الركن الرابع‏:‏ الحق المضمون وشرطه ثلاث صفات كونه ثابتاً لازماً معلوماً‏.‏

الصفة الأولى‏:‏ الثبوت وفيها مسائل‏.‏

إحداها‏:‏ إذا ضمن ما لم يجب وسيجب بقرض أو بيع وشبههما فطريقان أحدهما القطع بالبطلان لأنها وثيقة فلا تسبق وجوب الحق كالشهادة وأشهرهما على قولين الجديد البطلان والقديم الصحة لأن الحاجة قد تدعو إليه ونقل الإمام فروعا على القديم أحدها إذا قال ضمنت لك ثمن ما تبيع فلاناً فباع شيئاً بعد شيء كان ضامنا للجميع لأن ما من أدوات الشرط فتقتضي التعميم بخلاف ما إذا قال إذا بعت فلاناً فأنا ضامن لا يكون ضامناً إلا ثمن ما باعه أولا لان إذا ليست من أدوات الشرط والثاني إن شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدين فهنا أولى وإلا فوجهان وكذا معرفة المضمون عنه والثالث لا يطالب الضامن ما لم يجب الدين على الأصيل وليس له الرجوع بعد لزومه وأما قبله فعن ابن سريج أن له الرجوع وقال غيره لا لأن وضعه على اللزوم وأما إذا قلنا بالجديد فقال أقرض فلانا كذا وعلي ضمانة فأقرضه فالصحيح أنه لا يجوز وجوزه ابن سريج‏.‏

المسألة الثانية ضمان نفقة المدة الماضية للزوجة صحيح سواء كانت نفقة الموسرين أو المعسرين وكذا ضمان الأدم ونفقة الخادم وسائر المؤن ولو ضمن نفقة اليوم فكمثل لأنها تجب بطلوع الفجر وفي ضمان نفقة الغد والشهر المستقبل قولان بناء على أن النفقة تجب بالعقد أم بالتمكين إن قلنا بالأول وهو القديم صح وإن قلنا بالثاني وهو الجديد الأظهر فلا هكذا نقله عامة الأصحاب وأشار الإمام إلى أنه على قولين مع قولنا ضمان ما لم يجب باطل لأن سبب وجوب النفقة ناجز وهو النكاح فإن جوزنا ضمن نفقة المستقبل فله شرطان أحدهما أن يقدر مدة فإن أطلق لم يصح فيما بعد الغد وفيه وجهان كما لو قال أجرتك كل شهر بدرهم هل يصح في الشهر الأول الشرط الثاني أن يكون المضمون نفقة المعسر وإن كان المضمون عنه موسراً لأنه ربما أعسر وفي فرع ضمان نفقة القريب لمدة مستقبلة لا يجوز ضمان نفقة القريب لمدة مستقبلة وفي نفقة يومه وجهان لأن سبيلها سبيل البر والصلة ولهذا تسقط بمضي الزمان وبضيافة الغير‏.‏

المسألة الثالثة‏:‏ باع شيئاً فخرج مستحقاً لزمه رد الثمن ولا حاجة فيه إلى شرط والتزام قال القفال ومن الحماقة اشتراط ذلك في القبالات وإن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج المبيع مستحقاً فهذا ضمان العهدة ويسمى ضمان الدرك أما ضمان العهدة فقال في التتمة إنما سمي به لالتزامه ما في عهدة البائع رده والدرك لالتزامه الغرم عند إدراك المستحق عين ماله وفي صحة هذا الضمان طريقان أحدهما يصح قطعاً وأصحهما على قولين أظهرهما الصحة للحاجة إليه والثاني البطلان فإن صححنا فذلك إذا ضمن بعد قبض الثمن فأما قبله فوجهان أصحهما المنع لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع ولا يوجد ذلك قبل القبض والثاني الصحة لأنه قد تدعو إليه حاجة بأن لا يسلم الثمن إلا بعده‏.‏

فرع ضمان نقص الصنجة للبائع كما يصح ضمان العهدة للمشتري يصح ضمان نقص الصنجة للبائع بأن جاء المشتري بصنجة ووزن بها الثمن فاتهمه البائع فيها فضمن ضامن نقصها إن نقصت وكذا ضمان رداءة الثمن إذا شك البائع هل المقبوض من النوع الذي يستحقه فإذا خرج ناقصاً أو رديئاً طالب البائع الضامن بالنقص وبالنوع المستحق إذا رد المقبوض على المشتري ولو اختلف البائع والمشتري في نقص الصنجة صدق البائع بيمينه فإذا حلف طالب المشتري بالنقص ولا يطالب الضامن على الأصح لأن الأصل براءته ولو اختلف البائع والضامن في نقصها فالمصدق الضامن على الأصح لأن الأصل براءته بخلاف المشتري فان ذمته كانت مشغولة‏.‏

فرع ضمان عهدة الثمن لو ضمن عهدة الثمن إن خرج المبيع معيبا ورده أو بان بغير الاستحقاق كفوات شرط معتبر في البيع أو اقتران شرط مفسد فوجهان أصحهما الصحة وهو الذي ذكره العراقيون للحاجة والثاني المنع لندور الحاجة ولأنه في المعيب ضمان ما لم يجب فإن قلنا يصح إذا ضمن صريحاً فحكى الإمام والغزالي وجهين في اندراجه تحت مطلق ضمان العهدة‏.‏

فرع في مسائل تتعلق بضمان الدرك إحداها من ألفاظ هذا الضمان أن يقول للمشتري ضمنت لك عهدته أو دركه أو خلاصك منه ولو قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لأنه لا يستقل بتخليصه إذا استحق ولو ضمن عهدة الثمن وخلاص المبيع معاً لم يصح ضمان الخلاص وفي العهدة قولاً الصفقة ولو شرط في البيع كفيلاً بخلاص المبيع بطل بخلاف ما لو شرط كفيلاً بالثمن‏.‏

الثانية‏:‏ يشترط أن يكون قدر الثمن معلوماً للضامن فإن لم يكن فهو كما لو لم يكن قدر الثمن في المرابحة معلوماً‏.‏

الثالثة‏:‏ يجوز ضمان المسلم فيه للمسلم إليه لو خرج رأس المال مستحقاً بعد تسليم المسلم فيه ولا يجوز قبله على الأصح ولا يجوز ضمان رأس المال للمسلم لو خرج المسلم فيه مستحقاً لأن المسلم فيه في الذمة والاستحقاق لا يتصور فيه وإنما يتصور في المقبوض وحينئذ يطالبه المسلم بمثله لا برأس المال‏.‏

الرابعة إذا ظهر الاستحقاق فالمشتري يطالب من شاء من البائع والضامن ولا فرق في الاستحقاق بين أن يخرج مستحقاً أو كان شقصاً ثبت فيه شفعة ببيع سابق فأخذه الشفيع بذلك البيع ولو بان فساد البيع بشرط أو غيره ففي مطالبته الضامن وجهان أحدهما نعم كالاستحقاق والثاني لا للاستغناء عنه بامكان حبس المبيع حتى يسترد الثمن ولو خرج المبيع معيباً فرده المشتري ففي مطالبته الضامن بالثمن وجهان وأولى بأن لا يطالب لأن الرد هنا بسبب حادث أما إذا حدث في يد البائع بعد العقد ففي التتمة أنه لا يطالب الضامن بالثمن وجهاً واحداً لأنه لم يكن سبب رد الثمن مقروناً بالعقد ولم يكن من البائع تفريط فيه وفي العيب الموجود عند العقد سبب الرد موجود عند العقد والبائع مفرط بالاخفاء فالتحق بالاستحقاق على رأي‏.‏

قلت‏:‏ أصح الوجهين الأولين لا يطالب ولو خرج المبيع معيباً وقد حدث عند المشتري عيب ففي رجوعه بالأرش على الضامن الوجهان والله أعلم‏.‏

ولو تلف المبيع قبل القبض بعد قبض الثمن وانفسخ العقد هل يطالب الضامن بالثمن إن قلنا ينفسخ من أصله فهو كظهور الفساد بغير الاستحقاق وإن قلنا من حينه فكالرد بالعيب ولو خرج بعض المبيع مستحقاً ففي صحة البيع في الباقي قولاً الصفقة وإن قلنا يصح وأجاز المشتري فإن قلنا يجيز بجميع الثمن لم يطالب الضامن بشيء وإن قلنا بالقسط طالبه بقسط المستحق من الثمن وإن فسخ طالبه بالقسط ومطالبته بحصة الباقي من الثمن كمطالبته عند الفسخ بالعيب وإن قلنا لا يصح ففي مطالبته بالثمن طريقان أحدهما أنه كما لو بان فساد العقد بشرط ونحوه والثاني القطع بتوجه المطالبة لاستناد الفساد إلى الاستحقاق هذا كله إذا كانت صيغة الضمان كما ذكرنا في المسألة الأولى أما إذا عين جهة الاستحقاق فقال ضمنت لك الثمن متى خرج المبيع مستحقاً فلا يطالب بجهة أخرى وكذا لو عين جهة غير الاستحقاق لم يطالب عند الاستحقاق‏.‏

الخامسة‏:‏ اشترى أرضاً وبنى فيها أو غرس ثم خرجت مستحقة فقلع المستحق البناء والغراس فهل يجب أرش النقص على البائع وهو ما بين قيمته قائماً ومقلوعاً وجهان الأصح المنصوص وجوبه فعلى هذا لو ضمنه ضامن نظر إن كان قبل ظهور الاستحقاق أو بعده وقبل القلع لم يصح وإن كان بعدهما صح إن كان قدره معلوماً ولو ضمن رجل عهدة الأرض وأرش نقص البناء والغراس في عقد واحد لم يصح في الارش وفي العهدة قولاً الصفقة ولو كان المبيع بشرط أن يعطيه كفيلا بهما فهو كما لو شرط في البيع رهناً فاسداً وقال جماعة من الأصحاب ضمان نقص البناء والغراس كما لا يصح من غير البائع لا يصح من البائع وهذا إن أريد به أنه لغو كما لو ضمن العهدة لوجوب الارش عليه من غير التزام فهو جار على ظاهر المذهب وإلا فهو ذهاب منهم إلى أنه لا أرش عليه‏.‏

الصفة الثانية اللزوم‏.‏

والديون الثابتة ضربان‏.‏

أحدهما‏:‏ ما لا يصير إلى اللزوم بحال وهو نجوم الكتابة فلا يصح ضمانها على الصحيح ولو ضمن رجل عن المكاتب غير النجوم فإن ضمن لأجنبي صح وإذا غرم رجع على المكاتب إن ضمنه بإذنه وإن ضمنه لسيده نبني على أن ذلك الدين هل يسقط بعجزه وفيه وجهان إن قلنا الضرب الثاني‏:‏ ما له مصير إلى اللزوم فان كان لازماً في حال الضمان صح ضمانه سواء كان مستقراً أم لا كالمهر قبل الدخول والثمن قبل قبض المبيع ولا نظر إلى احتمال سقوطه كما لا نظر إلى احتمال سقوط المستقر بالابراء والرد بالعيب وشبههما وإن لم يكن لازماً حال الضمان فهو نوعان‏.‏

أحدهما الأصل في وضعه اللزوم كالثمن في مدة الخيار وفي ضمانه وجهان أصحهما الصحة قال في التتمة هذا الخلاف إذا كان الخيار للمشتري أو لهما أما إذا كان للبائع فقط فيصح قطعاً لأن الدين لازم في حق من عليه وأشار الإمام إلى أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع أما إذا منعه فهو ضمان ما لم يجب‏.‏

النوع الثاني‏:‏ ما الأصل في وضعه الجواز كالجعل في الجعالة وفيه وجهان كما سبق في الرهن به وموضع الوجهين بعد الشروع في العمل وقبل تمامه كما سبق هناك وضمان مال المسابقة إن جعلناها إجارة صح وإلا فكالجعل‏.‏

الصفة الثالثة العلم وفيه صور‏.‏

إحداها‏:‏ ضمان المجهول فيه طريقان كضمان ما لم يجب فإن صححناه فشرطه أن يمكن الإحاطة به بأن يقول أنا ضامن ثمن ما بعته فلاناً وهو جاهل به لأن معرفته متيسرة أما إذا قال ضمنت لك شيئاً مما لك على فلان فباطل قطعاً والقولان في صحة ضمان المجهول يجريان في صحة الإبراء عنه وذكروا للخلاف في الإبراء مأخذين أحدهما الخلاف في صحة شرط البراءة عن العيوب فإن العيوب مجهولة الأنواع والأقدار والثاني أن الابراء هل هو إسقاط كالإعتاق أم تمليك المديون ما في ذمته ثم إذا ملكه سقط وفيه رأيان إن قلنا اسقاط صح الابراء عن المجهول وإلا فلا وهو الأظهر ويتخرج على هذا الأصل مسائل منها لو عرف المبرىء قدر الدين ولم يعرفه المبرأ إن قلنا اسقاط صح وإلا فيشترط علمه كالمتهب ومنها لو كان له دين على هذا ودين على هذا فقال أبرأت أحدكما إن قلنا اسقاط صح وأخذ بالبيان وإلا فلا كما لو كان له في يد كل واحد عبد فقال ملكت أحدكما العبد الذي في يده ومنها لو كان لأبيه دين على رجل فأبرأه منه وهو لا يعلم موت الأب إن قلنا إسقاط صح كما لو قال لعبد أبيه أعتقك وهو لا يعلم موت الأب إن قلنا تمليك فهو على الخلاف فيما لو باع مال أبيه على ظن أنه حي فبان ميتاً ومنها أنه لا يحتاج إلى القبول إن جعلناه إسقاطاً وإن جعلناه تمليكاً لم يحتج إليه على الصحيح المنصوص فإن اعتبرنا القبول ارتد بالرد وإلا فوجهان‏.‏

قلت‏:‏ أصحهما لا يرتد والله أعلم‏.‏

وهذه المسائل ذكرها في التتمة مع أخوات لها واحتج للتمليك بأنه لو قال للمديون ملكتك ما في ذمتك صح وبرئت ذمته من غير نية وقرينة ولولا أنه تمليك لافتقر إلى نية أو قرينة كما إذا قال

فرع لو اغتابه فقال اغتبتك فاجعلني في حل ففعل وهو لا يدري به فوجهان أحدهما يبرأ لأنه إسقاط محض كمن قطع عضواً من عبد ثم عفا سيده عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع فإنه يصح والثاني لا لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضى بالمجهول ويخالف القصاص فإنه مبني على التغليب والسراية بخلاف إسقاط المظالم‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ ضمان أروش الجنايات صحيح إن كان دراهم أو دنانير وفي ضمان إبل الدية إذا لم نجوز ضمان المجهول وجهان ويقال قولان أصحهما الصحة وقيل يصح قطعاً كما يصح الابراء عنها وإذا دفع الحيوان وكان الضمان يقتضي الرجوع فهل يرجع بالحيوان أم بالقيمة قال الإمام لا يبعد أن يجرى فيه الخلاف المذكور في إقراض الحيوان ولا يجوز ضمان الدية عن العاقلة قبل تمام السنة لأنها غير ثابتة بعد‏.‏

الصورة الثالثة‏:‏ إذا منعنا ضمان المجهول فقال ضمنت مما لك على فلان من درهم إلى عشرة فوجهان وقيل قولان أصحهما الصحة لانتفاء الغرر فعلى هذا يلزمه عشرة على الأصح وقيل ثمانية وقيل تسعة‏.‏

وإن قال ضمنت لك ما بين درهم وعشرة فإن عرف أن دينه لا ينقص عن عشرة صح وكان ضامناً لثمانية وإلا ففي صحته في الثمانية القولان أو الوجهان ولو قال ضمنت لك الدراهم التي لك على فلان وهو لا يعرف مبلغها فهل يصح الضمان في ثلاثة لدخولها في اللفظ على كل حال كما لو أجر كل شهر بدرهم فهل يصح في الشهر الأول وهذه المسائل بعينها جارية في الإبراء‏.‏

فرع يصح ضمان الزكاة عمن هي عليه على الصحيح وقيل لا لأنها حق لله تعالى ككفالة بدن الشاهد لأداء الشهادة فعلى الصحيح يعتبر الاذن عند الاداء على الأصح‏.‏

فرع يجوز ضمان المنافع الثابتة في الذمة كالأموال‏.‏

 فصل في كفالة البدن

ويسمى أيضاً كفالة الوجه وهي صحيحة على المشهور وقيل تصح قطعاً فتجوز ببدن من عليه مال ولا يشترط العلم بقدره على الأصح والثاني يشترط بناء على أنه لو مات غرم الكفيل المال ويشترط أن يكون المال مما يصح ضمانه فلو تكفل ببدن مكاتب للنجوم التي عليه لم يصح فإن كان عليه عقوبة فإن كانت لآدمي كالقصاص وحد القذف صحت الكفالة على الأظهر وقيل لا تصح قطعاً وإن كانت حدا لله تعالى لم تصح على المذهب وقيل قولان وضبط الإمام والغزالي من تكفل ببدنه فقالا حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه فكل من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الاستعداء أو يستحق إحضاره تجوز الكفالة ببدنه فيخرج على هذا الضابط صور منها الكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها صحيحة وكذلك الكفالة بها لمن تثبت زوجيته قال فيالتتمة والظاهر أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من ادعي عليه القصاص لأن المستحق عليها لا يقبل النيابة ومنها لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه قال ابن سريج يصح ويلزمه السعي في رده ويجىء فيه مثل ما حكينا في الزوجة‏.‏

ومنها الميت قد يستحق إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه وإذا كان كذلك صحت الكفالة ببدنه‏.‏

ومنها الصبي والمجنون قد يستحق إحضارهما لاقامة الشهادة على صورتها في الاتلاف وغيره فتجوز الكفالة فيهما ثم إن كفل بإذن وليها فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة وإن كفل بغير إذنه فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير إذنه ومنها قال الإمام لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة فالكفالة باطلة لأن من بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد للخصومات والكفيل فرع المكفول به وإذا لم يجب حضوره لا يمكن إيجاب الاحضار على الكفيل وهذا الذي قاله تفريع على أنه لا يلزم إحضار من هو على مسافة القصر وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

فرع الحق الذي تجوز بسببه الكفالة إن ثبت على المكفول ببدنه بإقرار أو بينة فذاك وإن لم يثبت لكنه ادعى عليه فلم ينكر وسكت صحت الكفالة أيضاً وإن أنكر فوجهان أحدهما أنها باطلة لأن الأصل البراءة والكفالة بمن لا حق عليه باطلة وأصحهما الصحة لأن الحضور مستحق ومعظم الكفالات إنما تقع قبل ثبوت الحق‏.‏

فرع جواز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس تجوز الكفالة ببدن الغائب والمحبوس وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يجوز للمعسر ضمان المال‏.‏

فرع يشترط كون المكفول ببدنه معيناً فلو قال كفلت بدن أحد هذين لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين‏.‏

فإذا ضمن عيناً لمالكها وهي في يد غيره نظر إن كانت مضمونة عليه كالمغصوب والمستعار والمستام والأمانات إذا خان فيها فله صورتان إحداهما يضمن رد أعيانها فالمذهب الذي عليه الجمهور أنه على قولي كفالة البدن وقيل يصح قطعاً والفرق أن حضور الخصم ليس مقصوداً في نفسه وإنما هو ذريعة إلى تحصيل المال فالتزام المقصود أولى فإن صححنا فردها بريء من الضمان وإن تلفت وتعذر الرد فهل عليه قيمتها وجهان كما لو مات المكفول ببدنه فإن أوجبنا فهل يجب في المغصوب أكثر القيم أم قيمته يوم التلف لأن الكفيل لم يكن متعديا وجهان قلت الثاني أقوى والله أعلم‏.‏

ولو ضمن تسليم المبيع وهو بعد في يد البائع جرى الخلاف في الضمان فإن صححناه وتلف انفسخ البيع فإن لم يدفع المشتري الثمن لم يطالب الضامن بشيء وإن كان دفعه عاد الوجهان في أن الضامن هل يغرم فان غرمناه فهل يغرم الثمن أم أقل الأمرين من الثمن وقيمة المبيع وجهان أصحهما أولهما‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ أن يضمن قيمتها لو تلفت قال البغوي يبنى على أن المكفول ببدنه لو مات هل يغرم الكفيل الدين إن قلنا نعم صح ضمان القيمة لو تلف العين وإلا فلا وهو الصحيح لهذا ولأن القيمة قبل تلف العين غير واجبة أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي في يده كالوديعة والمال في يد الشريك والوكيل والوصي فلا يصح ضمانها قطعاً لأنها غير مضمونة الرد أيضاً وإنما يجب على الأمين التخلية فقط ولو تكفل ببدن العبد الجاني جناية توجب المال فهو كضمان العين‏.‏

ومنهم من قطع بالمنع‏.‏

والفرق أن العين المضمونة مستحقة ونفس العبد ليست مستحقة وإنما المقصود تحصيل الأرش من بدله وبدله مجهول‏.‏

فرع باع شيئاً بثوب أو بدراهم معينة فضمن قيمته فهو كما لو الثمن في الذمة وضمن العهدة‏.‏

فرع رهن ثوباً ولم يسلمه فضمن رجل تسليمه لم يصح لأنه ضمان ما ليس بلازم‏.‏

فرع في مسائل من الكفالة إحداها إذا عين في الكفالة مكاناً للتسليم تعين وإن أطلق فالمذهب أنها تصح ويجب التسليم في مكان الكفالة وقيل هو كما لو أطلق السلم وإذا أتى الكفيل بالمكفول به في غير الموضع المستحق جاز قبوله وله أن يمتنع إن كان فيه غرض بأن كان قد عين مجلس الحكم أو موضعاً يجد فيه من يعينه على خصمه فإن لم يختلف الغرض فالظاهر أنه يلزمه قبوله فإن امتنع رفعه إلى الحاكم ليقبض عنه فإن لم يكن حاكم أشهد شاهدين أنه سلمه إليه‏.‏

الثانية يخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه في المكان الذي وجب فيه التسليم سواء طلبه المستحق أم أباه بشرط أن لا يكون هناك حائل كيد سلطان ومتغلب وحبس بغير حق ينتفع بتسليمه وحبس الحاكم بالحق لا يمنع صحة التسليم لامكان إحضاره ومطالبته بالحق ولو حضر المكفول به وقال سلمت نفسي إليك عن جهة الكفيل بريء الكفيل كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين ولو لم يسلم نفسه عن جهة الكفيل لم يبرأ الكفيل لأنه لم يسلمه إليه هو ولا أحد عن جهته حتى قال القاضي حسين لو ظفر به المكفول له في مجلس الحكم وادعى عليه لم يبرأ الكفيل وكذلك لو سلمه أجنبي لا عن جهة الكفيل وإن سلمه عن جهة الكفيل فإن كان باذنه فهو كما لو سلمه الكفيل وإن كان بغير إذنه فليس على المكفول به قبوله لكن لو قبل برىء الكفيل ولو كفل رجل لرجلين فسلم إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر ولو كفل رجلان لرجل فسلم أحدهما قال في التهذيب إن كفلاه على الترتيب وقع تسليمه عن المسلم دون صاحبه سواء قال سلمت عن صاحبي أم لم يقل وإن كفلاه معا فوجهان قال المزني يبرأ أيضاً صاحبه كما لو دفع أحد الضامنين الدين وقال ابن سريج والأكثرون لا يبرأ كما لو كان بالدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر ويخالف قضاء الدين فإنه يبرىء الأصيل وإذا برىء برىء كل ضامن ولو كانت المسألة بحالها وكفل كل واحد من الكفيلين بدن صاحبه ثم أحضر أحدهما المكفول به وسلمه فعلى قول المزني يبرأ كل واحد عن الكفالة الأولى وعن كفالة صاحبه وعلى قول ابن سريج يبرأ المسلم عن الكفالتين ويبرأ صاحبه عن كفالته دون الكفالة الأولى‏.‏

الثالثة‏:‏ كمايخرج الكفيل عن العهدة بالتسليم يبرأ أيضاً إذا أبرأه المكفول له ولو قال المكفول له لا حق لي قبل المكفول به أو عليه فوجهان أحدهما يبرأ الأصيل والكفيل والثاني يرجع فإن فسر بنفي الدين فذاك وإن فسر بنفي الوديعة والشركة ونحوهما قبل قوله فإن كذباه حلف‏.‏

الرابعة‏:‏ إذا غاب المكفول ببدنه نظر إن غاب غيبة منقطعة والمراد بها أن لا يعرف موضعه وينقطع خبره فلا يكلف الكفيل إحضاره وإن عرف موضعه فإن كان دون مسافة القصر لزمه إحضاره لكن يمهل مدة الذهاب والاياب ليحضره فإن مضت المدة ولم يحضره حبس وإن كان على مسافة القصر فوجهان أصحهما يلزمه إحضاره والثاني لا يطالب به‏.‏

ولو كان غائباً حال الكفالة فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة‏.‏

الخامسة‏:‏ إذا مات المكفول به ففي انقطاع طلب الاحضار عن الكفيل وجهان أصحهما لا ينقطع بل عليه إحضاره ما لم يدفن إذا أراد المكفول له إقامة البينة على صورته كما لو تكفل ابتداء ببدن الميت والثاني ينقطع وهل يطالب الكفيل بمال وجهان أصحهما لا لأنه لم يلتزمه كما لو ضمن المسلم فيه فانقطع فإنه لا يطالب برد رأس المال والثاني يطالب وبه وقال ابن سريج لأنه وثيقة كالرهن وعلى هذا هل يطالب بالدين أم بأقل الأمرين من الدين ودية المكفول به وجهان بناء على القولين في أن السيد يفدي الجاني بالأرش أم بأقل الأمرين من الأرش وقيمة العبد‏.‏

قلت‏:‏ المختار المطالبة بالدين فإن الدية غير مستحقة بخلاف قيمة العبد قال صاحب الحاوي ولو مات الكفيل فعلى مذهب الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم بطلت الكفالة ولا شيء في تركته وعلى قول ابن سريج ينبغي أن لا تبطل لأنها عنده قد تفضي إلى مال بتعلق بالتركة لكن لم أر له فيه نصاً ولو مات المكفول له بقي الحق لوارثه فإن كان له غرماء وورثة وأوصى إلى زيد بإخراج ثلثه لم يبرأ الكفيل إلا بالتسليم إلى الورثة والغرماء والوصي فلو سلم إلى الورثة والغرماء والموصى لهم دون الوصي ففي براءته وجهان حكاهما ابن سريج والله أعلم‏.‏

السادسة‏:‏ لو هرب المكفول به إلى حيث لا يعلم أو توارى ففي مطالبة الكفيل بالمال خلاف مرتب على الموت وأولى بأن لا يطالب إذ لم نأيس من إحضاره‏.‏

السابعة‏:‏ إذا تكفل وشرط أنه إن عجز عن تسليمه غرم الدين فإن قلنا يغرم عند الإطلاق صح وإلا فالكفالة باطلة‏.‏

فإذا كفل بغير رضى المكفول به فأراد إحضاره لطلب المكفول له نظر إن قال أحضر خصمي فللكفيل مطالبته بالحضور وعليه الاجابة لا بسبب الكفالة بل لأنه وكله في إحضاره وإن لم يقل ذلك بل قال أخرج عن حقي فهل له مطالبة المكفول به وجهان أحدهما لا كما لو ضمن عنه بغير إذنه مالاً وطالب المضمون له الضامن فإنه لا يطالب المضمون عنه وذكروا على هذا أنه يحبس واستبعده الأئمة لأنه حبس على ما لا يقدر عليه والثاني نعم لأن المطالبة بالخروج عن العهدة تتضمن التوكيل في الاحضار‏.‏

التاسعة‏:‏ لو تكفل ببدن الكفيل كفيل ثم كفيل ثم كذلك آخرون بلا حصر جاز لأنه تكفل بمن عليه حق لازم وقياساً على ضمان المال ثم إذا برىء واحد برىء من بعده دون من قبله‏.‏

العاشرة‏:‏ في موت المكفول له ثلاثة أوجه أصحها بقاء الكفالة وقيام وارثه مقامه كما لو ضمن له المال والثاني تبطل لأنها ضعيفة والثالث إن كان عليه دين أو له وصي بقيت وإلا فلا لان الوصي نائبه والدين لا بد منه‏.‏

الركن الخامس الصيغة وفيه مسائل‏.‏

الأولى لا بد من صبغة دالة على التزام كقوله ضمنت لك مالك على فلان أو تكفلت ببدن فلان أو أنا باحضار هذا المال أو هذا الشخص كفيل أو ضامن أو زعيم أو حميل أو قبيل وفي البيان وجه أن لفظ القبيل ليس بصريح ويطرد هذا الوجه في الحميل وما ليس بمشهور في العقد ولو قال خل عن فلان والدين الذي لك عليه عندي فليس بصريح في الضمان ولو قال دين فلان إلي فوجهان‏.‏

قلت أقواهما ليس بصريح والله أعلم‏.‏

ولو قال أؤدي المال أو احضر الشخص فهذا ليس بالتزام وإنما هو وعد ولو تكفل فأبراه المستحق ثم وجده ملازماً للخصم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلاً‏.‏

الثانية لو شرط الضامن أو الكفيل الخيار لنفسه لم يصح الضمان فلو شرط للمضمون له لم يضر لان الخيار في المطالبة والابراء له أبداً‏.‏

الثالثة‏:‏ لو علق الضمان بوقت أو غيره فقال إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت أو إن لم يؤد مالك غداً فأنا ضامن لم يصح على المذهب كما لا يصح مؤقتا كقوله أنا ضامن إلى شهر فإذا مضى ولم أغرم فأنا بريء وعن ابن سريج أنه إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق قال الإمام ويجيء في تعليق الإبراء القولان لأنه اسقاط فإذا قلنا بالقديم فقال إذا بعت عبدك بألف فأنا ضامن لثمن فباعه بألفين قال ابن سريج لا يكون ضامناً لشيء وفي وجه يصير ضامناً لألف ولو باعه بخمسمائة ففي كونه ضامنا لها الوجهان ولو قال إذا أقرضته عشرة فأنا ضامن لها فأقرضه خمسة عشر فهو ضامن للعشرة على الوجهين لان من أقرض خمسة عشر فقد أقرض عشرة والبيع بخمسة عشر ليس بيعا بعشرة وإن أقرضه خمسة فعن ابن سريج تسليم كونه ضامناً لها قال الإمام وهو خلاف قياسه لان الشرط لم يتحقق ولو علق كفالة البدن بمجيء الشهر فإن جوزنا تعليق المال فهي أولى وإلا فوجهان كالخلاف في تعليق الوكالة والفرق أن الكفالة مبنية على المصلحة والحاجة ولو علقها بحصاد الزرع فوجهان مرتبان وأولى بالمنع لانضمام الجهالة وإن علقها بقدوم زيد فأولى بالمنع للجهل بأصل حصول القدوم فإن جوزنا فوجد الشرط المعلق عليه صار كفيلاً‏.‏

الرابعة‏:‏ لو وقت كفالة البدن فقال أنا كفيل به إلى شهر فإذا مضى برئت فوجهان وقيل قولان أصحهما البطلان كضمان المال ولو نجز الكفالة وشرط التأخير في الإحضار شهراً جاز للحاجة كمثله في الوكالة وتوقف فيه الإمام وجعل الغزالي في الوسيط هذا التوقف وجهاً فإذا صححنا فأحضره قبل المدة وسلمه وامتنع المكفول له من قبوله نظر هل له غرض في الامتناع بأن كانت بينته غائبة أو دينه مؤجلاً أم لا وحكم القسمين على ما سبق فيمن سلمه في غير المكان المعين ولو شرط لاحضاره أجلاً مجهولاً كالحصاد ففي صحة الكفالة وجهان أصحهما المنع‏.‏

الخامسة‏:‏ لو ضمن الدين الحال حالاً أو أطلق لزمه حالاً وإن ضمن المؤجل مؤجلاً بأجل أو أطلق لزمه لأجله وإن ضمن الحال مؤجلا بأجل معلوم فوجهان أحدهما لا يصح الضمان للاختلاف وأصحهما الصحة للحاجة وعلى هذا فالمذهب ثبوت الأجل فلا يطالب إلا كما التزم وبهذا قطع الجمهور وشذ إمام الحرمين فادعى إجماع الأصحاب على أن الأجل لا يثبت وأن في فساد الضمان لفساده وجهين أصحهما الفساد‏.‏

أما لو ضمن المؤجل حالا والتزم التبرع بالتعجيل مضموماً إلى التبرع بأصل الضمان فوجهان كعكسه أصحهما الصحة وعلى هذا هل يلزمه الوفاء بالتعجيل وجهان أصحهما لا كما لو التزم الأصيل التعجيل وعلى هذا هل يثبت الأجل في حقه مقصوداً أم تبعاً فيه وجهان‏.‏

وفائدتهما فيما لو مات الأصيل والحالة هذه ولو ضمن المؤجل إلى شهرين مؤجلاً إلى شهر فهو كضمان المؤجل حالاً‏.‏

السادسة‏:‏ لو تكفل ببدن رجل أو نفسه أو جسمه أو روحه صح وإن تكفل بعضو منه فأربعة أوجه‏.‏

أحدها‏:‏ أنه باطل كالبيع والاجارة بخلاف العتق والطلاق لأن لهما قوة وسراية وبهذا قال الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب واختاره ابن الصباغ‏.‏

الثاني‏:‏ يصح‏.‏

والثالث‏:‏ إن كان عضواً لا يبقى البدن دونه كالرأس والقلب والكبد والدماغ صح وإن بقي دونه كالرجل واليد لم يصح وقال في التهذيب هذا أصح والرابع ما عبر به عن جميع البدن كالرأس والرقبة يصح وما لا كاليد والرجل فلا قال القفال هذا أصح وللوجه حكم سائر الأعضاء كذا قاله الجمهور وقال الإمام يصح قطعا لشهرة هذا العقد بكفالة الوجه وأما الجزء الشائع كالنصف والثلث فكالجزء الذي لا يبقى البدن دونه فيكون فيه وجهان قلت قطع صاحب الحاوي بصحة الكفالة فيما لو كفل برأسه أو وجهه أو عينه أو قلبه وفؤاده وغيرها مما لا يحيى دونه أو جزء شائع والله أعلم‏.‏

فرع في مسائل تتعلق بالباب إحداها ضمن عن رجل ألفاً وشرط للمضمون له أن يعطيه كل شهر درهماً ولا يحسبه من الضمان فالشرط باطل وفي بطلان الضمان وجهان‏.‏

قلت أصحهما البطلان والله أعلم‏.‏

الثانية‏:‏ ضمن أو كفل ثم ادعى أنه لم يكن على المضمون عنه والمكفول حق فالقول قول المضمون له وهل يحلف أم يقبل بلا يمين وجهان عن ابن سريج فإن قلنا بالأول فنكل حلف الضامن وسقطت عنه المطالبة ولو أقر أنه ضمن أو كفل بشرط الخيار وأنكر المضمون له الشرط بني ذلك على تبعيض الإقرار وإن قلنا لا يبعض فالقول قول الضامن مع يمينه وإن بعضناه فقول الثالثة قال الكفيل‏:‏ برىء المكفول وأنكر المكفول له قبل إنكاره بيمينه فإن نكل فحلف الكفيل برىء ولا يبرأ المكفول‏.‏

الرابعة‏:‏ قال تكفلت ببدن زيد فإن أحضرته وإلا فأنا كفيل ببدن عمرو لم يصح ولو قال للمكفول له أبرىء الكفيل وأنا كفيل المكفول قال الأكثرون لا يصح وقال ابن سريج يصح‏.‏

الخامسة‏:‏ الكفالة ببدن الأجير المعين صحيحة على الصحيح ومن قال بتغريم الكفيل عند موت الأصيل لم يصححها لأنه إذا مات انفسخ العقد وسقط الحق‏.‏